شذرات من الاسراء والمعراج

يحيى بن أحمد بن صالح سفيان

اللهم صل على محمد وآله الطيبين الطاهرين
قال الله تعالى
( أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً)الإسراء/93 . قلتُ الآية والثلاث الآيات التي قبلها اجمالاً نعلم من ذلك مدى سيطرة الفكر المادي على ذهنية القوم والآية ليست كما فهمها البعض من ابناء الاسلام ووظفوها كدليل على بطلان حادثة الاسراء والمعراج سوى بطلان جزئي او بطلان كُلي إنما الآية تخبر بموقف بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين قوم الكفار والمشركين بمكة موقف ومشهد فيه معلومات كثيرة والآية يستخرج منها بعد دراستها وفهمها ووعيها دروس في علم النفس وعلم الاجتماع ومما ظهر لي فيها من وجهة نظر هاذين العلميْن أن الكفار ومشركي مكة اشد الخلق عناداً ومشاققة وسفهاً بعد اليهود وهذا يعود إلى سيطرة الفكر المادي على عقولهم وحلول بعض الرذائل مكان الكثير من الفضائل والاخلاق السامية في ضمائرهم كما أن شدة شرههم على معاقرة الخمرة حتى اصبحت شهوة ورغبة جامحة زادة في فساد الذهن والضمير والذوق والوجدان وسادة على بقية الشهوات بما جعل النظرة المادية تزداد وتتعاظم بما زاد القلوب قسوة والشهوات حيوانية .
وتخبرنا الآية الشريفة بالحالة الذهنية والسلوكية للقوم من اللاوعي والقسوة فلننظر الى إخبار الآية بقولهم ( أو ترقى في السماء ) اي تصعد وترتفع وهم يطالبوه بذلك ويسألوه ذلك متجاوزين أنه ما عليه الا ما حُمِّل من الرسالة كرسول ويظهر هذا من خلال رده صلى الله عليه وآله وسلم
لقد سألوه في هذا الموقف ان يصعد ويرتفع في السماء وهم يروه أي يرتفع ويصعد وهم ينظرون اليه ثم يقولون ( وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ ) أي وإن رأيناك تصعد وترتفع في السماء بجسدك ولم تنزل لنا كتابا نقرأه وانت عائد من السماء ونحن ايظا نراك وانت عائدا بجسدك فلن نصدقك ( لماذا ؟ يا كفار مكة ) لأن كفار مكة متصورين ومعتقدين بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد يصعد الى السماء وقد يروه يصعد ويرتفع وقد يكون ذلك سحرا منه قد يسحر اعينهم وحاشاه صلوات ربي عليه وعلى آله وسلم الصادق المصدوق من لا ينطق عن الهوى إنما هو وحي يوحى .
وقد سبق وأن كانت تهمة السحر من اول التهم والتهكمات التي اتهموه بها وتهكموا عليه بها صلى اله عليه وأله وسلم ي بداية الدعوة رُغم أن مقامه كان عندهم وبينهم وإلى قبيل أن دعاهم الى التوحيد مقام الصادق الأمين ثم بعد ان دعاهم صار في نظرهم ساحراً وكاهناً وكاذباً ومجنون إلى آخر سفاهاتهم وضلالاتهم وعدوانياتهم .
لقد طالبوه بالصعود الى السماء وهم ينظرون اليه وطالبوه كما تخبرنا الآية بأن ينزل من السماء وهم يروه ومعه كتاب والكتاب الذي سيعود به لابد وأن يقرأوه هم لا ان يقرأه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد يسحرهم ويجعل ابصارهم ترى ان بيده كتاب جاء به من السماء وانه يقرأه وان كل ذلك وهم فلابد أن يسلمه اليهم من يد الى يد حتى يقرأوه وبعد ذلك وكما تخبر عنهم الآية سيؤمنوا له وبه لأنهم يرون لا نجاة من سحر محمد في ذلك الموقف الّا أن يسلمهم الكتاب يد بيد .
وبهذا دليل قوي جدا على أن الفكر المادي المحض قد سيطر سيطرة كاملة على ذهنية كفار مكة بالإضافة إلى أن بيئة مكة كانت آنذاك بيئة قد تغلغلت معتقدات السحر فيها الى هذا الحد لمجاورتهم وبقية القبائل العربية لليهود الذين افسدوا تلك القبائل بالخمرة ومعتقدات السحر . ولاحظوا أن قولهم ( وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ ) أي يا محمد لابد أن يكون مطلبنا هذا مشاهدا من اوله إلى آخره وليس كما زعمت في حادثة الاسراء والمعراج واخبرتنا باخبار لا تقبلها عقولنا ولا تستوعبها . وبهذا نعلم ومن خلال هذه الآيه والموقف هذا أن مهجزة الاسراء والمعراج قد حصلت حقيقة وهذه الآية فيها من الدليل على ذلك وهذا لمن خالف وكذَّبَ وانكر وجحد جهلاً او عناداَ .
بابي وامي يا سيد المرسلين والأولين والآخرين يا سيد الأكوان لكم شاققوه وعاندوه وآذوه وضربوه وهزأوا به وغمزوه ولمزوه وادموه وهموا واتخذوا القرار لقتله حتى جاءه الامر من ربه بالهجرة الى ارق القلوب والين الافئدة رضوان الله عليهم . اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين . …………………………………………….29 رجب 1439 هجرية .