التعداد العام للسكان انعطافة تأريخيه
حسن درباش العامري
منذ 26 عاماً، لم ينجح العراق في إجراء تعداد سكاني آخر ،فلماذا عجز العراق عن اجراء هذا التعداد الذي يفصح عن عدد سكانه وتوزيعاتهم على محافظاته وفي اقضيته ونواحيه ،فبدون قاعدة بيانات صحيحه، فإن “البلد يمشي إلى طريق مظلم ،وسيصعب وضع خطط التنميه ولايعلم كيف يقدم الخدمات ومايحتاجه في تطوير قطاعاته المختلفه كالقطاع الصحي والتربوي والتعليمي والخدمي هكذا،، ان العراق حاله حال أغلب دول العالم، يجري التعداد السكاني مرة واحدة كل عشر سنوات، ولكن ضروف البلد السياسيه والامنيه حالت دون اجراء التعداد العام فيه..
لا يتعلّق التعداد بإحصاء عدد السكان فقط، وإنما يحدد أدق تفاصيل التركيبة السكانية للدولة وتحديد نسب الاميه ونسب المتعلمين واداد التعليم العالي والمهني وما الى ذلك،، التي تعتمد عليها الحكومات لاحقا لبناء خططها في مجالات التربية والتعليم والصحة والخدمات بل وحتى الساحات الخضراء المخصصه للترفيه وغيرها.ان التخلف عن اجراء التعداد السكاني له آثاره السلبية على مستقبل التنمية في العراق”، وإن الامتناع عن تنفيذ التعداد السكاني يعني دخول المؤشرات الإحصائية في مجال التخمين ووضع الارقام التقديريه التي قد لاتلامس الحقيقه بسبب تنافسات سياسيه وضغوطات ديموغرافيه وجيو سياسيه واخرى اجتماعيه واقتصاديه، وهو ما يؤدي الى فشل معظم خطط التنمية الوطنية كونها مرتكزة على بيانات خاطئه وغير موثوقة.
أجرى العراق، في عام 1997، اخر تعداد للسكان . وكانت عملية غير مكتمله و شابتها الكثير من المشاكل، حيث لم يشمل الاستطلاع محافظات إقليم كردستان، الأمر الذي دفع بعض الباحثين لعدم الاعتراف بنتائجه والاعتماد على بيانات الإحصاء الذي سبقه بعشر سنوات وشمل جميع محافظات العراق.
لقد الف العراقيون في تأريخهم العراقي القديم والحديث اجراء التعداد للسكان
ففي عهد حضارة السومريون قام الأمير كوديا الحاكم العراقي ، الذي حكم إمارة “لكش” السومرية من 2144 قبل الميلاد إلى 2124 قبل الميلاد، أجرى تعدادا لسكان إمارته انتهى بتقدير عددهم بنحو 450 ألف نسمة.
في العراق الحديث، قامت الحكومه العراقيه عام ١٩٢٧ أول إحصاء سكاني عقب تأسيس المملكية العراقية، لكن معوقات كثيرة رافقت تنفيذه دفعت الحكومة إلى إلغاء نتائجه.
وفي عام 1934، أجري تعداد اخر و حدّد هذا التعداد سكان العراق بأكثر من ثلاثة ملايين و200 ألف نسمة.
ان غياب التعداد،ادى الى فشل العراق في تحديد حجم النمو السكاني بدقة، ما منعه من تبنّي سياسات تقلل النمو السكاني المتزايد حيث أدّى لنشأة ظواهر الزحف على الأراضي الزراعية وزيادة الاستهلاك وشيوع البطالة.
وعجزت صانع القرار عن وضع خطط ناجحة توازن بين حجم السكان وتوزيع الخدمات التعليمية والصحية، ما خلّف أضراراً جسيمة على كافة جوانب التنمية في البلاد.ومن أسباب التأجيل ايضا كانت .. تفشي وباء كورونا و قلة التمويل .
كان مؤملا أن يتمَّ تعداد عاما في عام 2007، ليتم تأجيله مرة اخرى إلى 2009 بسبب الظروف الأمنية، ثم تأجل عشر سنوات دفعة واحدة، وفي 2019 لم تنجح الحكومه في اجراءه
وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، فإن استعدادات تنفيذ التعداد بدأت منذ عام 2019، وكان مأمولاً أن يُنفذ عام 2020، لكن جرى تأجيله بسبب جائحة كورونا، بعدما كان مستحيلا تهيأة متطلبات تنفيذه، لذا أُرغمت وزارة التخطيط على تأجيل المشروع.
في عام 2022، أُعلنت بغداد نيتها تنفيذ التعداد مجددا، وهو ما لم يحدث أيضاً بسبب الميزانية الكبيرة التي احتاجها الجهاز المركزي للإحصاء وتبلغ 120 مليون دولار، لم تتمكن الحكومة من توفيرها حينها.
وقال السيد مهدي العلاق، كبير مستشاري صندوق الأمم المتحدة، إنه مع قدوم الحكومة الجديدة وإقرار الموازنة الجديدة تم توفير المخصصات اللازمة لتنفيذ التعداد.
حيث أعلن السيد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، خلال ترؤسه المجلس الأعلى للسكان توفير كل الإمكانات اللازمة لإنجاز التعداد في موعده.
وأكد السوداني، أن حكومته تعوّل على نتائج التعداد في وضع سياساتها وتنفيذ برامجها الاقتصادية، فضلاً عن إعداد خطط مستقبلة تساعد في تنمية المجتمع.
وبهذا قامت وزارة التخطيط بتهيئة كل الظروف الملائمه لانجاح ذلك التعداد حيث اعلن الاستاذ عبد الزهره الهنداوي مدير اعلام الوزاره في محضر كلامه ان وزارة التخطيط قد باشرت بعملية ترقيم وحصر المنازل والوحدات السكنيه الثابته وقامت باجراء عمليات تعداد فعليه في بعض مناطق العاصمه على سبيل التجربه الميدانيه تمهيدا لاجراء عمليه العد الفعليه، كما انها هيأت جميع الاعمال اللوجستيه واعداد المتطوعين وابلاغ الوكالات الاعلاميه للتثقيف و تسليط الضوء على هذه العمليه التي ستمثل انعطافه تأريخيه حقيقيه في تأريخ العراق الحديث ….
